- المصدر: اقتصاد مال و اعمال السوريين
- 7658 قراءة
هاوٍ فلسطيني من سوريا.. ينقل مغارة "علي بابا" إلى ألمانيا
في ركن قصي من منزله بمدينة Geldern -شمال الراين- يجلس الباحث والمحامي الفلسطيني "فادي سلايمة" محاطاً بمقتنياته النادرة التي يعود بعضها إلى مئات السنين من قطع أثرية وتحف نفيسة وطوابع وأوان معدنية تمكن من إحضارها من منزله في مخيم العائدين بحمص إلى ألمانيا التي لجأ إليها قبل خمس سنوات، لتُدفىء غربته الباردة ويتابع من خلالها هوايته الممتعة.
هذه الصورة تم تصغيرها.لعرض الصورة كاملة انقر على هذا الشريط,. المقاس الأصلي للصورة هو 960x720px. |
أمضى سلايمة أكثر من ربع قرن من حياته في جمع العملات القديمة التي يعتبرها جزءاً لا يتجزأ من حياته وفكره، واستهوته منذ نعومة أظفاره مقتنيات الأجداد والجدات، من المسبحة وعلبة التتن الخاصة بجده، وصينية النحاس الأحمر الأثرية المزخرفة وماكينة الخياطة اليدوية ماركة سينجر من أربعينات القرن الماضي الخاصة بجدته والتي أخرجتها من فلسطين ثم أورثته إياها.
كما ورث من جدته الأخرى-كما يروي لـ"اقتصاد"- مكاحل قديمة من النحاس كانت تستخدم في فلسطين، ولا تزال لديه لعبة المنقلة من الخشب القديم المحفور وقطعها من بذور الخروب وكانت هذه المنقلة هي لعبة كبار السن في مضافات قرى فلسطين قبل عام 1948.
وأشار الهاوي المتحدر من قرية الشجرة الواقعة بين طبريا والناصرة في الجليل الفلسطيني، إلى أنه تعلم هواية جمع العملات من والده وجذبته الهواية قبل أن يكمل العاشرة من عمره حيث كان كثيراً ما يجلس بجوار كبار السن ليحكوا قصة كل قطعة معدنية أو ورقة نقدية تعود إلى بلد معين وحضارة معينة.
هذه الصورة تم تصغيرها.لعرض الصورة كاملة انقر على هذا الشريط,. المقاس الأصلي للصورة هو 720x960px. |
يقول سلايمة: "أستمع بشغف إلى حديث كبار السن عن تاريخ البلاد والموروثات الشعبية، إلى أن أصبحت هاوياً أقصد المتاجر والأسواق القديمة في حمص ودمشق وخارجها".
ولفت محدثنا إلى أنه لا يشتري مقتنياته القديمة إلا من مصادر مشروعة ومن متاجر معروفة، ووجد في ألمانيا وهولندا-كما يقول- سوقاً كبيرة للمقتنيات القديمة والتي تخص بلادنا، وصادف في مدينة ميونيخ معرضاً كبيراً للعملات يسمى (Münz Galerie) أي معرض العملات، وأذهله أن يرى أدراجاً كبيرة تحتوي على عملات إسلامية عباسية وفاطمية وسلجوقية وغزنوية وأيوبية ومملوكية مرتبة ومؤرشفة باسم الخليفة أو السلطان وهي من النوادر التي يصعب أن نراها حتى في بلادنا!
هذه الصورة تم تصغيرها.لعرض الصورة كاملة انقر على هذا الشريط,. المقاس الأصلي للصورة هو 960x720px. |
ويحتفظ سلايمة في متحفه، الأشبه بمغارة "علي بابا"، بمجموعة نادرة من العملات الأثرية من الحضارات الكنعانية والنبطية واليونانية والرومانية البيزنطية وكذلك العهود الإسلامية والعملة الأموية والعباسية والأيوبية والمملوكية والعثمانية، وجميعها-كما يقول- عملات تمَّ تداولها في سوريا وفلسطين عبر التاريخ، وصولاً إلى عهد الانتداب الفرنسي والبريطاني.
ويشير المحامي الشاب إلى أن في مجموعته "فلوس ودراهم" أموية وعباسية وأيوبية ومملوكية وعملات عثمانية نادرة مثل: عملات فضية للسلطان محمد الفاتح ضربت في أدرنة (عاصمة الدولة العثمانية قبل فتح القسطنطينية)، والسلطان سليم الأول، وعملة نادرة للسلطان جلال الدين محمد أكبر سلطان الإمبراطورية المغولية في الهند، و-هناك كما يقول- درهم أموي من الفضة يعود إلى عهد الخليفة الوليد الأول بن عبد الملك 705-715 ضُرب في مرو (عاصمة خراسان لا وجود لها اليوم) ومؤرخ في عام 90 هـ (708 م). وثمة عملات يونانية قديمة ورومانية وبيزنطية مختلفة صكت في سوريا أو في أوروبا، وعملات الممالك الأوربية القديمة التي تعود إلى القرن السابع عشر والثامن عشر والتاسع عشر. بالإضافة إلى عملات نادرة من مختلف أنحاء العالم، غربية (أوروبية وأميركية)، وشرقية (صينية ويابانية وهندية وفارسية.. إلى آخره)، وبعضها يبلغ عمرها مئات السنين ومنها ما يبلغ ألف أو ألفي عام، وأحدثها يعود إلى سنوات ما بعد الحرب العالمية الثانية.
هذه الصورة تم تصغيرها.لعرض الصورة كاملة انقر على هذا الشريط,. المقاس الأصلي للصورة هو 750x750px. |
اعتاد الهاوي الثلاثيني على جمع مقتنياته من العملات في ألبومات خاصة، ويالإحتفاظ ببعضها وخاصة تلك التي يتجاوز عمرها المائة عام في وسائل مختلفة تساعد في حفظها لفترات زمنية طويلة، دون أن تتأثر بالعوامل الخارجية المختلفة. ويستخدم في مجال البحث مكبرات خاصة لقراءة التاريخ المكتوب أو اسم الملك أو السلطان.
هذه الصورة تم تصغيرها.لعرض الصورة كاملة انقر على هذا الشريط,. المقاس الأصلي للصورة هو 960x960px. |
وبالإضافة إلى العملات النادرة يمتلك سلايمة -كما يقول- العديد من المقتنيات الأثرية مثل:- مزهرية شرقية منحوتة من عاج الفيل: تم إنتاجها في الصين أوائل القرن التاسع عشر (1800م)، وهي مزهرية مصنوعة يدوياً. ومنحوتة من ناب الفيل. وتزيّن المزهرية مناظر مزخرفة تصوّر الملوك الصينيين. القياس تقريباً 6.5 سم طول × 2 سم عرض. وهي تعتبر إضافة مميزة إلى مجموعة الفن العاجي الآسيوي العريق. وتم إنتاج هذه القطعة-كما يقول- قبل أن يدمر الصيادون الأفيال. كما يملك عملات صينية قديمة تعود إلى مئات وآلاف السنين وبعضها قبل بناء سور الصين العظيم. وإلى جانب هذه القطعة النفيسة تبدو علبة مجوهرات عتيقة من العهد العثماني وهي –بحسب مالكها- تعود إلى الفترة ما بين القرن الثامن عشر إلى القرن التاسع عشر (حوالي 1700-1800)، وتعد تحفة شرقية مصنوعة يدوياً من النحاس القديم، ومرصّعة بالأحجار الكريمة مثل العقيق والفيروز، وليس بعيداً عنها يرى الزائر نارجيلة عثمانية أثرية صنعت في سوريا في أوائل القرن العشرين عليها نقوش جميلة باللغة التركية وبالخط العربي، وأدوات القهوة وأهمها غلاية قهوة كبيرة من العهد العثماني، يعود تاريخها إلى أكثر من مائة عام (حوالي 1900م) وثمة حلي شرقية قديمة من الأحجار الكريمة المختلفة، وأدوات زينة وساعات قديمة من الفضة تعود إلى أعوام 1900-1910. وهي ليست فقط مجرد وسيلة للتعريف بالوقت، بل تشكل قطعاً فنية قيمة، استُخدم في صناعة بعضها معادن نفيسة.
ومن المقتنيات النادرة في مجموعة الهاوي الفلسطيني السوري ما يُعرف بـ "جنود القصدير" وهي تماثيل صغيرة تمثل فرساناً وجنوداً ورعاة بقر. وتعود صناعة هذه التماثيل-حسب قوله- إلى فترات قديمة ضاربة في أعماق التاريخ، وكانت تصنع قديماً من معدن الرصاص أو القصدير، المسكوب في قوالب حجرية، لكن هذه الصناعة تطوّرت بين القرنين 17 و19، فظهرت تماثيل مختلفة الأحجام والأبعاد، وأصبحت التماثيل تتشابه مع الواقع أكثر. واستخدمت هذه التماثيل على الخرائط الحربية في الحروب العثمانية، وكانت بمثابة لعب للأطفال في أوروبا أيام الحرب العالمية وحتى الحرب العالمية الثانية.
هذه الصورة تم تصغيرها.لعرض الصورة كاملة انقر على هذا الشريط,. المقاس الأصلي للصورة هو 960x720px. |
ولقيت هواية اقتناء جنود القصدير رواجاً كبيراً في تركيا مؤخراً، حيث يمتلك بعض الهواة الأتراك مقتنيات تعود إلى الحرب العالمية الأولى. ولدى سلايمة –كما يؤكد- مقتنيات تعود إلى الحرب العالمية الأولى حوالي عام 1910م ومعها شهادة مؤرخة عام 1922 وكذلك مقتنيات من جنود الحرب تعود إلى عام 1850.
هذه الصورة تم تصغيرها.لعرض الصورة كاملة انقر على هذا الشريط,. المقاس الأصلي للصورة هو 960x960px. |
وكشف المقتني الشاب الذي يعيش قريباً من مقاطعة دوسلدورف Düsseldorf أنه فقد الكثير من مقتنياته التاريخية عندما نزح من سوريا عام 2014 بسبب الحرب والهجرة وأهمها –كما يقول-مصحفان يعودان إلى عهد السلطان عبد الحميد الثاني، ومجلات الزهور التي كانت تصدر في مصر في أعوام 1910-1911، ومجلات الهلال التي كانت تصدر في عهد الملك فاروق الأول، ومجلات المختار التي كانت تصدر في الحرب العالمية الثانية. وتمكنت والدته من المحافظة على قسم كبير منها وأحضرته في حقيبتها مع كتبه وأوراقه.
هذه الصورة تم تصغيرها.لعرض الصورة كاملة انقر على هذا الشريط,. المقاس الأصلي للصورة هو 960x959px. |